Pages

الخميس، 7 أبريل 2016

من منن المنان سقي الأنام الألبان

من منن المنان سقي الأنام الألبان


مَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ


«عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَارْزُقْنَا خَيْرًا مِنْهُ وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ مَا يُجْزِئُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنُ»
سنن ابن ماجه - كتاب الأطعمة (2233)، سنن الترمذي - كتاب الدعوات (5543).
في العهد الزاهر من عمر هذه الأمة المجيدة كان اللبن المشروب الرئيس والأساسي في حياة خير القرون ،ولقد حفلت السنة النبوية بذكر اللبن وقيمته وأهميته في حياة الفقراء من أهل ذلك الزمان وبيّن صلى الله عليه وسلم سننا ترتبط بهذا الشراب فضلا عن غيره من المشروبات في حياة المسلم آنذاك، وشرّع أحكاما تختص باللبن دون غيره وقد عمل الفقهاء وأهل الحديث على توضيح هذه الأحكام وبينوا مراد الشارع منها وقاسوا عليها بعض ما يتفق معه في العلة
قال العلي الأعلى جل وعلا : {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66]
هذه حجة أخرى ومنة من المنن الناشئة عن منافع خلق الأنعام، أدمج في منتها العبرة بما في دلالتها على بديع صنع الله تبعا لقوله تعالى: والأنعام خلقها لكم فيها دفء إلى قوله: لرؤف رحيم [سورة النحل: 5- 7] .
ومناسبة ذكر هذه النعمة هنا أن بألبان الأنعام حياة الإنسان كما تحيا الأرض بماء السماء، وأن لآثار ماء السماء أثرا في تكوين ألبان الحيوان بالمرعى.
واختصت هذه العبرة بما تنبه إليه من بديع الصنع والحكمة في خلق الألبان بقوله:
مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا، ثم بالتذكير بما في ذلك من النعمة على الناس إدماجا للعبرة بالمنة.
ووقع البيان ب نسقيكم دون أن يقال: تشربون أو نحوه، إدماجا للمنة مع العبرة.
ووجه العبرة في ذلك أن ما تحتويه بطون الأنعام من العلف والمرعى ينقلب بالهضم في المعدة، ثم الكبد، ثم غدد الضرع، مائعا يسقى وهو مفرز من بين إفراز فرث ودم.
والفرث: الفضلات التي تركها الهضم المعدي فتنحدر إلى الأمعاء فتصير فرثا.
والدم: إفراز تفرزه الكبد من الغذاء المنحدر إليها ويصعد إلى القلب فتدفعه حركة القلب الميكانيكية إلى الشرايين والعروق ويبقى يدور كذلك بواسطة القلب. وقد تقدم ذكره عند قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم في سورة العقود [3] .
ومعنى كون اللبن من بين الفرث والدم أنه إفراز حاصل في حين إفراز الدم وإفراز الفرث. وعلاقته بالفرث أن الدم الذي ينحدر في عروق الضرع يمر بجوار الفضلات البولية والثفلية، فتفرزه غدد الضرع لبنا كما تفرزه غدد الكليتين بولا بدون معالجة زائدة، وكما تفرز تكاميش الأمعاء ثفلا بدون معالجة بخلاف إفراز غدد المثانة للمني لتوقفه على معالجة ينحدر بها الدم إليها.
والمعنى: إفراز ليس هو بدم لأنه ألين من الدم، ولأنه غير باق في عروق الضرع كبقاء الدم في العروق، فهو شبيه بالفضلات في لزوم إفرازه، وليس هو بالفضلة لأنه إفراز طاهر نافع مغذ، وليس قذرا ضارا غير صالح للتغذية كالبول والثفل.
وقد أحاط بالأوصاف التي ذكرناها للبن قوله تعالى: خالصا سائغا للشاربين.
فخلوصه نزاهته مما اشتمل عليه البول والثفل، وسوغه للشاربين سلامته مما يشتمل عليه الدم من المضار لمن شربه، فلذلك لا يسيغه الشارب ويتجهمه.
وهذا الوصف العجيب من معجزات القرآن العلمية، إذ هو وصف لم يكن لأحد من العرب يومئذ أن يعرف دقائق تكوينه، ولا أن يأتي على وصفه بما لو وصف به العالم الطبيعي لم يصفه بأوجز من هذا وأجمع.
راجع : التحرير والتنوير (14/ 199 وما بعدها ) بتصرف ،و تفسير الطبري = جامع البيان (17/ 240)، وتفسير ابن كثير (4/ 581)


(( أنهار الألبان وعد صادق لعباد الرحمن ))
وقال جل من قائل كريم : {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } [محمد: 15]
أما إطلاق الأنهار على أنهار الماء فهو حقيقة، وأما إطلاق الأنهار على ما هو من لبن وخمر وعسل فذلك على طريقة التشبيه البليغ، أي مماثلة للأنهار، فيجوز أن تكون المماثلة تامة في أنها كالأنهار مستبحرة في أخاديد من أرض الجنة فإن أحوال الآخرة خارقة للعادة المعروفة في الدنيا، فإن مرأى أنهار من هذه الأصناف مرأى مبهج. ويجوز أن تكون مماثلة هذه الأصناف للأنهار في بعض صفات الأنهار وهي الاستبحار. وهذه الأصناف الخمسة المذكورة في الآية كانت من أفضل ما يتنافسون فيه ومن أعز ما يتيسر الحصول عليه، فكيف الكثير منها، فكيف إذا كان منها أنهار في الجنة. وتناول هذه الأصناف من التفكه الذي هو تنعم أهل اليسار والرفاهية.
وقد ذكر هنا أربعة أشربة هي أجناس أشربتهم، فكانوا يستجيدون الماء الصافي لأن غالب مياههم من الغدران والأحواض بالبادية تمتلئ من ماء المطر أو من مرور السيول فإذا استقرت أياما أخذت تتغير بالطحلب وبما يدخل فيها من الأيدي والدلاء، وشرب الوحوش وقليل البلاد التي تكون مجاورة الأنهار الجارية. وكذلك اللبن كانوا إذا حلبوا وشربوا أبقوا ما استفضلوه إلى وقت آخر لأنهم لا يحلبون إلا حلبة واحدة أو حلبتين في اليوم فيقع في طعم اللبن تغيير. فأما الخمر فكانت قليلة عزيزة عندهم لقلة الأعناب في الحجاز إلا قليلا في الطائف، فكانت الخمر تجتلب من بلاد الشام ومن بلاد اليمن، وكانت غالية الثمن وقد ينقطع جلبها زمانا في فصل الشتاء لعسر السير بها في الطرق وفي أوقات الحروب أيضا خوف انتهابها.
والعسل هو أيضا من أشربتهم، قال تعالى في النحل [69] يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه والعرب يقولون: سقاه عسلا، ويقولون: أطعمه عسلا. وكان العسل مرغوبا فيه يجتلب من بلاد الجبال ذات النبات المستمر. فأما الثمرات فبعضها كثير عندهم كالتمر وبعضها قليل كالرمان. انظر في التحرير والتنوير (26/ 96) بنصه

وقد جاء في السنة الصحيحة ما يدل على أن أصل هذه الأنهار نابع من أبحار لكل صنف فعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ، وَبَحْرَ الْعَسَلِ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ، وَبَحْرَ اللَّبَنِ، ثُمَّ يَنْشَقُّ مِنْهَا بَعْدُ الْأَنْهَارُ» .
حديث صحيح : رواه أحمد 20052 (33/ 246) في المسند ، وابن حبان في صحيحه 7409 (16/ 424) ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَنْ وَصْفِ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لِلْمُطِيعِينَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ ، وأخرجه الترمذي 2571 (4/ 699)بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَنْهَارِ الجَنَّةِ ،وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ، وأخرجه الدارمي سنن الدارمي 2878 (3/ 1873)باب: في أنهار الجنة ، وقال الألباني : صحيح ، «المشكاة» (5650 - 5651 / التحقيق الثاني).
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ - أُرَاهُ - فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ».
رواه البخاري في صحيحه 2637 (3/ 1028) بَابُ دَرَجَاتِ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يُقَالُ: هَذِهِ سَبِيلِي وَهَذَا سَبِيلِي.
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ أُخْدُودٌ فِي الْأَرْضِ لَا وَاللهِ إِنَّهَا لَسَائِحَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَافَتَاهَا خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ وَطِينُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْأَذْفَرُ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا خَلْطَ مَعَهُ» .،وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (1/38) للضياء المقدسي في «صفة الجنة».
قال الشيخ أبو إسحاق الحويني : ضعيف مرفوعًا ،أخرجه ابن مردويه في «تفسيره»- كما في ابن كثير (7/297)- وأبو نعيم في «الحلية» (6/205)، وفي «صفة الجنة» (316) من طريق مهدي بن حكيم، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا الجريري، عن معاوية بن قُرَّة . الفتاوى الحديثية للحويني
( تعريف اللبن )
اللّبن في اللغة : سائل أبيض يكون في إناث الآدميّين والحيوان , وهو اسم جنسٍ , والجمع ألبان , وواحدته لبنة .
واللّبأ : أوّل اللّبن عند الولادة , ولبن كلّ شجرةٍ : ماؤُها على التّشبيه , وشاة لبون : ذات اللّبن غزيرةً كانت أو بكيئةً .ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ . الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 196)

أسماء اللبن في اللغة والحديث
الرسل : بكسر الراء واسكان السين هو اللبن الطري . شرح النووي على مسلم (18/ 69)،النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 222)
ففي صحيح مسلم 110 - (2937) (4/ 2254) من حديث النواس بن سمعان مرفوعاً : ... فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس. الحديث
الدَّرُّ : اللَّبَنُ . مختار الصحاح (ص: 103)
وفي سنن ابن ماجه 2440 (2/ 816) وهو صحيح ،من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظهر يركب إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب نفقته» .
المحض : بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وبالضاد المعجمة هو اللبن الخالص من الماء حلوا كان أو حامضا . فتح الباري (12/ 444)
وفي صحيح البخاري 7047 (9/ 45) من حديث سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ مرفوعاً : ... قَالَ: «وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ المَحْضُ فِي البَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ... الحديث
الصريح : اللبن إذا ذهبت رغوته ولبن صريح ساكن الرغوة خالص . لسان العرب (2/ 509)
وفي مسند أحمد (11/ 215)من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا : لا أخاف على أمتي إلا اللبن، فإن الشيطان بين الرغوة والصريح. حسن لغيره
وإذا كان حامضاً فهو
الصرب : اللبن الحقين الحامض و واحدته صربة . لسان العرب (1/ 522)
وإذا كان حلو المذاق فهو
السملج : اللبن الحلو ولبن سملج حلو دسم ،وقال بعضهم هو الطيب الطعم . لسان العرب (2/ 300)
وإذا مزج بالماء فله عدة أسماء :
السمار : اللبن الممذوق بالماء . لسان العرب (4/ 376)
المذيق أو المذق : اللبن الممزوج بالماء. لسان العرب (10/ 339) المعجم الوسيط (2/ 859)
المهو : اللبن الرقيق الكثير الماء . لسان العرب (15/ 297) الصحاح في اللغة (2/ 185)
الضيح : اللَّبن الممزوج . مقاييس اللغة (3/ 297)
للمزيد راجع : المخصص (1/ 455)لأبي الحسن المرسي ، كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ في اللغة العربية (ص: 217)لأبي إسحاق الطرابلسي ، اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأشياء (ص: 52) اللَّبَابِيدي الدمشقي ،التلخيص في معرفة أسماء الأشياء (ص: 375) لأبي هلال العسكري

ومن أمثال العرب في اللبن
قولهم: الصيفَ ضَيَّعْت اللَّبَن .
قال أبو بكر: معناه: طلبتِ الشيء في غير وقته. وذلك أن الألبان تكثر في الصيف، فيضرب هذا مثلاً للرجل يترك الشيء وهو ممكن، ويطلبه وهو متعذر. الزاهر في معاني كلمات الناس (2/ 223)
( طهارة اللبن )
( الطّاهر والنّجس من الألبان وما يحل شربه منها )
اللّبن إمّا أن يكون من حيوانٍ أو من آدميٍّ فإن كان من حيوانٍ حيٍّ مأكول اللّحم كالبقر والغنم فهو طاهر بلا خلافٍ , لقوله تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } . (سورة النحل / 66)
راجع : بدائع الصنائع 1 / 63 ، 5 / 43 ، وحاشية ابن عابدين 1 / 138 ، 5 / 194 ، 216 ، وحاشية الدسوقي 1 / 50 - 51 ، ونهاية المحتاج 1 / 227 ، وكشاف القناع 1 / 194

إلا أنّ الفقهاء اختلفوا في طهارة لبن بعض الحيوانات , تبعاً لاختلافهم في حلّ أكلها , فما حلّ أكله كان لبنه طاهراً  


ما يقول إذا شرب اللبن

- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَقَالَتْ: أَلا نُطْعِمُكُمْ مِنْ هَدِيَّةٍ أَهْدَتْهَا لَنَا أُمُّ عُفَيْقٍ؟ قَالَ: فَجِيءَ بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ، فَتَبَزَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ [ص:440] خَالِدٌ: كَأَنَّكَ تَقْذَرُهُ؟ قَالَ: «أَجَلْ» ، قَالَتْ: أَلا أُسْقِيكُمْ مِنْ لَبَنٍ أَهْدَتْهُ لَنَا؟ فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: فَجِيءَ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَخَالِدٌ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: «الشَّرْبَةُ لَكَ وَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا» فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِسُؤْرِكَ عَلَيَّ أَحَدًا، فَقَالَ: " مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ ". الحديث حسن لغيره
رواه أحمد في مسنده 1978 (3/ 439)،ورواه أبو داود 3730 (3/ 339) بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا شَرِبَ اللَّبَنَ ، والترمذي- وحسنه- في "السنن" 3455 (5/ 506) بَاب مَا يَقُولُ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا ، وفي "الشمائل" (206) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (286) ، وابن ماجه 3322 (2/ 1103) باب اللبن ،وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (474) ، والبغوي (3055) ،وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5957)،وأخرجه ابن سعد 1/396-397، وضعف هذا الحديث الشيخ ابن باز كما في مجموع فتاواه (26/ 261) وقال : وهذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان؛ لأنه ضعيف عند جمهور أهل العلم. قال الحافظ في التقريب: ضعيف في الرابعة.

وقال الحافظ في "أمالي الأذكار" بعد تخريجه فيما نقله عنه ابن علان 5/238: هذا حديث حسن. يعني بطرقه، فإن مدار الحديث عند جميع من خرجه على علي بن زيد بن جدعان، وهو عنده ضعيف لا يحسن حديثه إلا بالمتابعة والشواهد.

قلت : اختص هذا الدعاء باللبن وما في معناه عن غيره لأنه يجزئ عن الطعام والشراب فإنه غذاء يغني عن غيره ، ولا يدخل فيه سائر مُشتقّات اللبن ؛ لأن أكثرها لا يُعتبر شرابا ، فلا يصح أن يُقال إنه سُقِي جُبنا أو زبدة ! ، وقد نص الحنابلة في كتبهم على استحباب قول هذا الذكر ندبا للخبر الوارد فيه . كشاف القناع عن متن الإقناع (5/ 182)، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (5/ 251)


قال المناوي : قوله (فإنه ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ) : يعني لا يكفي في دفع العطش والجوع معا شيء واحد إلا هو لأنه وإن كان بسيطا في الحس لكنه مركب من أصل الخلقة تركيبا طبيعيا من جواهر ثلاث جبنية وسمنية ومائية فالجبنية باردة رطبة مغذية للبدن والسمنية معتدلة في الحرارة والرطوبة ملائمة للبدن الإنساني الصحيح كثيرة المنافع والمائية حارة رطبة مطلقة للطبيعة مرطبة للبدن فلذلك لا يجزئ من الطعام غيره ... فيض القدير (1/ 296)، زاد المعاد (4/ 353) 


الصحة والرجيم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق