علاج التهابات الجلد والجروح بالعسل
علاج التهابات الجلد والجروح بالعسل
تشير المصادر التاريخية إلى أنه تم ذكر
العسل واستعمالاته كغذاء ودواء نافع في تاريخ الكثير من شعوب الأرض منذ آلاف الأعوام،
كما أثبتت الاكتشافات الأثرية أن الفراعنة في مصر استعملوا العسل كغذاء ملكي، وفي تحنيط
جثث عظمائهم لحفظها من التعفن والتلاشي.
وقد ذكر العسل في القرآن الكريم بقوله
تعالى "يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس" سورة النحل
(69).
يكثر حاليا نشر الكتب والمقالات في الصحف
والمجلات الثقافية وعلى مواقع الإنترنت التي تتحدث عن أهمية وفوائد العسل الكثيرة في
حياة الإنسان، وتؤكد معظمها نجاح استعمالات العسل في علاج عدد كبير من الأمراض، بما
فيها بعض أمراض الدم والسرطان الخبيثة. لكن الكثير مما ينشر عن العسل يعتبر غير دقيق
أو مبالغاً فيه من الناحية العلمية، لدرجة لا يمكن القبول به، ويؤدي إلى تأخير إعطاء
العلاج الشافي للمريض، وبخاصة الجزء الذي يؤكد أن للعسل مفعولا علاجياً وسحرياً لجميع
أمراض الإنسان.
وعلى الجانب الآخر، هناك دراسات وأبحاث
علمية رصينة، أجريت في مختبرات ومراكز طبية عربية وأجنبية متقدمة، وبعضها تم نشره في
مجلات علمية عالمية معروفة بمستواها العالي، تؤكد بأن للعسل الطبيعي صفات مميزة تساعد
سريعا على شفاء حالات من الجروح والحروق والتهابات الجلد المزمنة التي تصعب أحيانا
معالجتها بالمضادات الحيوية.
العسل يقتل البكتيريا فقط
ومن المعروف أن هذين النوعين يعتبران من
أكثر أنواع البكتيريا انتشاراً بين مرضى المستشفيات، والتي تسبب لهم التهابات الجلد
السطحية وأخماجا خطيرة في مختلف أجزاء الجسم والدم، كما أن هذين النوعين لهما القدرة
على تكوين غشاء بيولوجي يشابه الشبكة Biofilm
يحيط بخلايا البكتيريا الممرضة أثناء استعمال برابيج القسطرة للمثانة
وغيرها، وهذا الغشاء الحيوي يساعدها على البقاء كامنة في أنسجة الجسم مع استمرار الالتهاب
لفترة طويلة، ويمنع تأثير المضادات الحيوية عليها.
ومن المهم أن نعرف هنا، بأن معظم الأبحاث
العلمية الجيدة والجادة استعملت العسل الطبيعي النقي أو العسل الطبي بعد أن تأكدت من
مواصفاته الحقيقية.
ومما يذكر، أن للعسل تأثيراً محدوداً على
نمو وتكاثر الفيروسات والفطريات المعدية التي تهاجم جلد الإنسان وأنسجة الجسم الداخلية،
لذلك يجب أن لا يستعمل العسل في علاج حالات العدوى بهذه الميكروبات.
العسل الطبيعي وخصائصه
يعرف أهل الخبرة، بأن العسل الطبيعي النقي
يتوفر حاليا بكميات قليلة جدا للبيع في سائر أرجاء العالم، والسبب يعود إلى أن النحل
لا يمكنه أن ينتج كميات كبيرة من العسل من دون ان يتم إطعامه إضافيا شراب السكر. وهناك
طلب كبير على شراء العسل، والوسيلة الوحيدة لتلبية كثرة الطلب، تكون بإنتاج عسل مصنع
ومشابه إلى حد ما بالمكونات الحيوية والخصائص الفيزيائية بالعسل الطبيعي.
والحقيقة، أن معظم أنواع العسل المتوفرة
حاليا في أسواق العالم، ومهما كان لونها فاتحا أو غامقا، أو طعمها، تختلف في عدة صفات
مهمة عن العسل الطبيعي، ورغم تسجيل المواصفات على عبوات البيع، فإن الكشف عن مكونات
العسل الحقيقية يحتاج إلى خبرة واسعة لا يتم إتباعها في معظم الفحوصات التي تجرى في
مختبرات الرقابة الغذائية وهي مكلفة أيضاً، وعليه فإنه من المؤكد أن العسل الطبيعي
النقي وعالي الجودة الذي لا تتدخل يد الإنسان في تصنيعه أصبح قليلا جداً وغالي الثمن،
وبخاصة تلك الأنواع التي تصلح للاستعمال في العلاج الطبي.
يحتوي العسل الطبيعي النقي، الذي يختلف
كثيراً بمكوناته الأساسية بين منطقة وأخرى حسب أنواع النباتات والزهور المنتشرة بها
وطريقة تربية النحل وجمع العسل، على نوعين أساسيين من السكر: الأول سكر العنب (الفروكتوز)
وبنسبة تتراوح ما بين 25 و45%، وهذا السكر يسهل امتصاصه بسرعة من الأمعاء إلى الدم،
ويتحول بسرعة أيضا في الكبد إلى كلوكوجين وطاقة تمد الجسم بالنشاط. وأما السكر الثاني،
الكلوكوز، فيوجد بنسبة لا تتجاوز عادة 35%.
ويجب أن يحتوي هذا العسل على كميات قليلة
من الأحماض الأمينية والبروتينات الخاصة والفيتامينات، ومن أكثرها فيتامين سي، وتتبعه
فيتامينات ب1 وب2 وب6، ويظهر أن جسم الإنسان يستطيع بسهولة امتصاص هذه الفيتامينات
خلال فترة قصيرة من تناول العسل. وتوجد في العسل الطبيعي أيضا كميات قليلة من المعادن
والأملاح، ومنها الحديد والنحاس والزنك والمغنسيوم والفوسفور والكالسيوم والبوتاسيوم
والصوديوم، كما يحتوي على خمائر مهمة جداً لجسم الإنسان ولزيادة حيويته، مثل خمائر
الأميليز والأنفرتيز والفوسفاتيز والكاتاليز والبروكسيد. وخميرة البروكسيد تلعب دورا
مهما، لكونها تنتج مادة فوق أكسيد الهيدروجين H2O2
التي تقتل البكتيريا، ويزداد مفعولها مع تخفيف تركيز العسل أثناء
معالجة التهابات الجروح. ومن المهم أن يحتوي العسل أيضا على كميات قليلة من الأحماض
العضوية التي لها تأثير قاتل على البكتيريا وتساعد على شفاء الجروح المتقيحة.
باختصار، إن نجاح استعمال العسل الطبيعي
في علاج التهابات الجروح والتقرحات المزمنة، يجب أن يعتمد على إشراف طبيب له خبرة في
طرق استعماله، وضمن ظروف طبية محددة، وبعد التأكد من نوعية العسل ونقاوته.
د. عاصم الشهابي
أستاذ الميكروبات الطبية- كلية طب الجامعة
الأردنية
0 comments: